ذكرنا في مقال سابق، كيف أن الله وصف حال طائفة من الناس عند سماعهم كلمة الله والايمان، وقت بدء نشوء الدولة المسلمة وتشكل أركانها ومقوماتها في المجتمع المدني الذي احتضن الدعوة وبايع على نصرتها. الله تبارك وتعالى عند وصف حالهم لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقت هجرته لم يسمهم بالمنافقين، بل اطلق عليهم قوله:"ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنيين"، وفي ذلك اشارة لبدء تشكل مجتمع المنافقين شيئا فشيئا في ظل قيام الدولة المسلمة. المنافقون لا ينفك عنهم مجتمع مسلم مهما بلغت درجة تدينه، فالمجتمعات الفاضلة كمجتمع الصحابة كان فيه منافقون كما أن المجتمعات التي تلتها الى يومنا الحاضر فيها منافقون مادام حكم الله غالب، فكما قال تعالى:" هم العدو فاحذرهم" باقون مع بقاء دولة الاسلام. ومن هنا وجب على كل متصد للدعوة محب للخير أن يتعرف على أحوالهم وصفاتهم وتجمعاتهم، ليحذرهم وليجاهدهم وليغلظ عليهم كما قال تعالى:"ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم".
المنافقون هم من بني جلدتنا يتكلمون بلساننا ويعيشون أرضنا، يخالطوننا صباح مساء، ربما في البيت أو في العمل أو في السوق أو حتى في المساجد يقول الله تعالى:"واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا". إن ادراكنا لطبيعة المجتمع المسلم وطبيعة المنافقين ومن يكونون سبب في فهم تحركاتهم واهدافهم ومقاصدهم داخل مجتمعنا مما يساهم في درء خطرهم واجتثاث فتنتهم وتقليل أثرها.
الناس في المجتمع المسلم درجات فمنهم المسلم التقي النقي الناصح لدينه واسلامه والمسلمين، ومنهم المسلم الذي خلط عملا صالحا وآخر سيئا ويرجو من الله تعالى أن يتغمده في رحمته، فهو مع أهل الخير والصلاح محب لهم وإن ابطأ به عمله، ومنهم المسلم الذي غلبته نفسه فمرضت ورضيت بالفسوق وانتهاك المعاصي وغشيانها صباح مساء، والتسويف مع بقاء الرجاء في رحمة رب العالمين، إلا انه يخوض مع الخائضين وقد ينصر وينتصر – شعر أو لم يشعر- لأهل الزيغ والفجور والكفر والعناد، وهؤلاء هم من سماهم الله "الذين في قلوبهم مرض"، ومنهم المسلم الذي خرج من اسلامه –علم بذلك أو لم يعلم- بممارسته لأفعال وكلامه بأقوال واعتقاده لمعتقدات ادخلته في دائرة الكافرين، وهؤلاء هم المنافقون، ومنهم، وهم قليل، الذين هم مسلمون من آباء مسلمين لكنهم أعلنوا للناس كفرهم وتركهم للاسلام وهم المرتدون.
تكمن الخطورة على المجتمع المسلم في تسلط المنافقين الذين يقولونا بألسنتهم أننا مسلمون وآباؤنا كذلك الا أنهم خرجوا منه (شعروا بذلك أو لم يشعروا)، يقول الله تعالى:"ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم"، ويقول جل في علاه: "لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم". انظر كيف أنهم آمنوا بادئ امرهم إما لعدم غشيانهم للفتنة وعدم تقاطعها مع أهوائهم أو لولادتهم من آباء مسلمين ثم كفروا بالله عن علم وقصد بعد ذلك أو كفروا عند تمكن الهوى من قلوبهم وتجذر كرههم لأوامر الدين وأهله واستهزاءهم بشرائع الاسلام وحملته. ولذلك خشي الصحابة على أنفسهم ومجتمعهم النفاق لعلمهم أنه داء قد يتمكن من القلب فيهلكه.
فالمنافق قد يؤمن حقيقة في بادئ الامر، أو قد يُحكم عليه بالاسلام لأنه من آباء مسلمين، أو قد يدعي الاسلام وهو في الحقيقة كافر في الاصل، ولذلك وصف الله تبارك وتعالى حالهم عند سماعهم دعوة الاسلام بأنهم رأوا النور وعايشوه لكنهم انطفأ عليهم فلم يستفيدوا منه، أو انهم سمعته قلبهم كما يسمع القلب صواعق البرق، فخاف لكنه لم يستجب.
كثيرٌ من الناس في المجتمعات المسلمة لا يدركون خطورة النفاق على انفسهم أو أولادهم أو مجتمعهم، لجهلهم حقيقته وظنهم أنه من السهل معرفة المنافقين أو تجنب مزالقهم. وهذا ظن خاطئ دل عليه القرآن والسنة والتاريخ الاسلامي الذي ظهر فيه من الحوادث ما دلت على شدة عداوتهم وبغيهم على أهل الاسلام والسنة. ومن هنا وجب الاشارة الى حقيقة النفاق ومعناه. فالنفاق هو حالة قلبية تنفعل لها الجوارح، تتسم بنفور القلب وكرهه لأوامر الله وشرعه وسعيه وحبه لهدم تلك المعاني والأوامر بكل ما أوتي من قدرة وقوة ولو كان بالتمني. فالنفاق في الاصل شعور قلبي يعتري القلب ويتملكه: أسه وأساسه رفض وكره اتباع شرع محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن كان راضيا به.
الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز سمى كل صنف من الناس وحالهم مع الايمان باسم، فهناك المؤمنون والكافرون والفاسقون والذين في قلوبهم مرض والمنافقون، فأعطى كل اسم حقه من الوصف، لنتبينه ونفقه معناه ونعرف احكام من اتصف بوصفهم . ولكن للأسف في عصرنا هذا برع المنافقون في حرف وتنحية الاسماء الاسلامية عن واقع المجتمع، فتجد المنافق يرضى بأن يقال له ليبرالي أو علماني أو تقدمي أو ... الخ، لكنه لا يرضى بأي حال أن يوصف بالنفاق، امعانا منهم بالتخفي وحرف أوصاف القرآن عنهم، لينعموا بالتعايش مع المسلمين بسهولة وليتمكنوا من بث سمومهم بدون مقاومة من جمهور المسلمين. المنافقون قد يكونون منتمين لأهل السنة أو لأهل البدعة. فغلاة المبتدعة من الامامية الاثني عشرية وغلاة المتصوفة والدعاة المنتمين للحركات الباطنية مثل النصيرية والعلوية والدروز يدعون الدين والاسلام مع سعيهم لصرف الناس عنه بدين شرعوه من تلقاء أنفسهم اتباعا لأهواءهم وشهواتهم.
المنافقون هم من يسعون في المجتمعات الاسلامية بكل ما من شأنه تنحية سنة أو ابطال شِرعة أو اشاعة فاحشة أو تمكين فلسفات كفرية مضادة لشريعة الله، ولذلك فإن دعاوى التغريب والاختلاط واخراج المرأة من دارها وهتك حجابها وتمكين الانظمة الرأسمالية والربا في اقتصاديات الامة المسلمة والحرب على دعاة الاصلاح المحمديين الداعين للقرآن والسنة وتنحية الشريعة المحمدية من الحكم وسن القوانين المضادة لحكم الله ورسوله ومداهنة الكافرين ونصرتهم على أهل الاسلام والرضى برسوم أهل الجاهلية من أعراف وأعياد، ومشاركتهم في مناسبات كفرهم، والتخلق بأخلاقهم والدعوة اليها، وتسخير وسائل الاعلام لهدم مقومات الدين واعرافه ومسلماته، وتأخير أي مطالبات لتحكيم شريعة الاسلام من أولى اولوياتهم وأسمى غاياتهم.
وللحديث بقية،،،، وصلى الله وسلم على نبي الهدى محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم، والحمد لله رب العالمين.